لو تأخرت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسيّة المصريّة أسبوعًا واحدًا عن الموعد الذي جرت فيه، لكانَ المرشح حمدين صبّاحي أحد المتنافسين على الرئاسة في الجولة الثانية، وربما فاز في الجولة الأولى.
هذا التقدير يردده كثيرٌ من المراقبين للانتخابات المصريّة، ولا يقتصر الاقتناع به على أنصار صبّاحي فقط، لا سيما إذا عرفنا أنّ حزب الكرامة الذي أسسه صبّاحي لم يحصل منذ أشهر قليلة في الانتخابات البرلمانيّة سوى على 6 مقاعد من أصل 498 مقعدًا من المقاعد المنتخبة لمجلس الشعب المصري. وبعد معرفة أنّ الاستطلاعات لم تكن تعطي لصبّاحي سوى نسبة لا تزيد عن 5% قبل أسابيع من إجراء الانتخابات، وأخذت تكبر بسرعة الصاروخ لتصل إلى 13% قبل أيام على إجرائها؛ ليحصل على 4 مليون و820 ألفَ صوتٍ، أي بما نسبته 20.7% من أصوات المنتخبين، ولو كانت الناس تعرف أنّ صبّاحي مرشحٌ منافسٌ لأعطوه من الأصوات أكثر مما حصل عليه، وهو كثير جدًا.
"أصوات حلال" حصل عليها صبّاحي لبعدها عن المال السياسي، فقد كانت حملته الأقل مالًا والأفقر دعاية وتنظيمًا، وممولة من الأنصار دون حزب كبير أو جهاز دولة أو دعم رجال الأعمال الكبار أو دعم خارجي خليجي أو دولي.
ما السر وراء حصولك على هذه الأصوات المفاجئة لك وللجميع، هذا هو السؤال الأول الذي بدأنا به اللقاء مع صبّاحي، فأجاب: "كرم من ربنا"، و"توفيق من ربنا"، وأضاف: أنا لا أجد جوابًا شاملًا ولا تفسيرًا متكاملًا سوى ذلك. فهناك مرشح يمثل النظام القديم، وأنا ضده تمامًا من منطلق أخلاقي ووطني لا سياسي فحسب، ومرشح يمثل طرفًا لا أحد ينكر أنه كان شريكًا في الثورة، لكنه لا يحترم تلك الشراكة والتنوع اللذَيْن كانا أحد أسباب نجاح الثورة، ويريد أن يتغول ويستولي ويهيمن، لذا فموقفي الواضح كان ولا يزال بأنني لا أساوي بين الاثنين، إلا أنني ضد الاستبداد باسم الدولة، وضد هيمنة الإخوان الذين لم يكتفوا بأغلبيتهم في مجلس الشعب والشورى بالرغم من تعهدهم بعدم السعي إلى أغلبيّة في البرلمان، ولم يكتفوا بموقفهم الساعي للهيمنة على اللجنة التأسيسيّة للدستور، بل ويسعون إلى استكمال الهيمنة على ما تبقى من مؤسسات الدولة عبر وصولهم إلى موقع رئاسة الجمهوريّة بالرغم من تعهدهم السابق بعدم ترشيح أحد منهم لذلك المقعد.
فعلًا، يبدو أنّ الناخبَ المصريَّ وجد ضالّتَه وأعطى إشارةً أكيدةً نحو المستقبل، وهذا مفهوم لأن صبّاحي واضح وضوح الشمس ومتواضع تواضع ابن النيل، وله كاريزما قياديّة وخفة دم تعكس روح الشعب المصري، وبرنامجه يقوم على ثلاث ركائز: حريّة يصونها النظام الديمقراطي، وعدالة اجتماعيّة تحققها التنميّة الشاملة، وكرامة إنسانيّة يحميها الاستقلال الوطني. صبّاحي كان مرشحًا شعر به المصريون لأنه يمثل الفقراء والطبقة الوسطى، ويواصل العائد السياسي والاجتماعي لسياسات العهد الناصري مع أهمية الديمقراطية وتفادي الأخطاء.
وهو مرشح يبعث الوطنيّة المصريّة، ويرفع شعار "الحلم المصري"، ويعبر عن إرادة الشعب المصري باستعادة روحه من خلال تعهده بجعل مصر قوة اقتصاديّة صناعيّة تكنولوجيّة لها موقعها في السوق العالميّة خلال ثماني سنوات، والعمل على محو الفقر المدقع، وتوفير سكن ملائم لكل مواطن، والتوجه إلى اللامركزيّة وانتخاب جميع المسؤولين بدءًا من رئيس الحي إلى رئيس الجمهوريّة، وبناء تحالف عربي تركي إيراني، وتحالف دولي جديد مع الدول النامية، وعلاقة وديّة نديّة مع الولايات المتحدة الأميركيّة تقوم على أساس المصالح واستقلال القرار المصري.
الناخب أعطى نسر مصر المحلّق هذه الأصوات، لأنه قادر على وضع مصر على أول طريق النهضة الشاملة، ولأنّه أحسّ بقلبه أنّه يشبه برنامجَه، لأن المرشحين بالرغم من اختلافهم يطرحون برامجَ وشعاراتٍ متشابهةً.
صبّاحي بعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسيّة، بدا أنه مقتنع وعلى يقين بالفكرة التي بدأت تراوده منذ أكثر من عشرين عاما، وتعمّقت الآن بأنه قادم كرئيس لمصر، إن لم يكن الآن، إذا أخذت المحكمة الدستوريّة بقانون العزل يوم الخميس القادم وأخرجت أحمد شفيق من المنافسة، أو بعد عام أو اثنين إذا جرت انتخابات مبكرة، أو بعد أربعة أعوام عندما يحين موعد الانتخابات الرئاسيّة القادمة، وبالتالي هو يعمل منذ الآن استعدادًا للانتخابات القادمة على كل المستويات.
هل ستنتظر أربع سنوات، وأين المجلس الرئاسي الذي دعوت إليه؟، هذا هو السؤال الذي طرحناه عليه، فأجاب: المجلس الرئاسي فكرة الشعب والميدان وأنا مؤمن بها، لكنها لن تطبق إلا إذا وجدت تأييدًا كاسحًا من القوى الثوريّة المصريّة على اختلاف أنواعها، ولا يستطيع أن يفرضها طرف لوحده على الشعب أو على بقيّة قوى الثورة، وأنا لا يمكن، بالرغم من طعني بالانتخابات الرئاسيّة، أن أعمل على أساس "يا لعيب يا خريب"، أي أسيرُ في اللعبة الديمقراطيّة إذا شاركت بها، وألعنها إذا لم أشارك فيها، فالخيار للشعب.
وأضاف: حتى لو تم تشكيل مجلس رئاسي فلن أشارك فيه، وأدعو لعدم مشاركة أي مرشح رئاسي فيه، لأنه لا يعقل أن يقود المرحلة الانتقاليّة من يريد أن يتنافس على الرئاسة، كونه يمكن أن يستغل مشاركته في المجلس الرئاسي لزيادة فرص فوزه، وهذا يمس بحريّة ونزاهة الانتخابات.
فالمجلس الرئاسي يتم اختياره من شخصيات اعتباريّة موثوقة، إضافة إلى المجلس العسكري، فلا يجب أن ننسى دور الجيش المصري الذي لولا الحياد الإيجابي الذي قام به لا يمكن أن تنتصر الثورة بإزاحة الرئيس المخلوع حسني مبارك.
أما عن دعم شفيق أو مرسي في جولة الإعادة، فقال صبّاحي إنه بالرغم من أنه ليس ضد الإخوان، بل مدافع عنهم وعن حقهم الكامل في التواجد في الحياة السياسيّة كطرف أصيل فيها، لكنه يرى بأن استئثار الإخوان بكافة السلطات سيضر بالإخوان والوطن، وأضاف بشكل قاطع بأنه لن يعطي صوته لمرشح الجماعة لأنها ستهيمن، وهذه الهيمنة يرفضها تمامًا، مثلما رفض إقصاء الإخوان، كما أكد بأنه سيقف قبلها وبقوة أكبر ضد إعادة إنتاج نظام مبارك من خلال انتخاب شفيق رئيسًا.
لكنه أضاف بأنه لن يدعو أنصاره للتصويت لمرشح أو للمقاطعة أو لإبطال أصواتهم، لأن من انتخبه أحرار، والأحرار لا يقبلون أن يملي عليهم أحد كيف يصوتون.
فعلًا كما رأينا سابقًا وقرأنا أثناء تواجدنا في مصر في هذه اللحظات التاريخيّة، فإن الموقف من التصويت في انتخابات الإعادة إذا جرت الأمور كما هو مخطط لها دون تدخل المحكمة الدستوريّة بتطبيق قانون العزل على شفيق وحل مجلس الشعب، يهدد بتقسيم التيار الثالث الذي يعتبر وفق نتائج الانتخابات الرئاسيّة هو صاحب الأغلبيّة.
فهناك فريق من الثورة يدعو للتصويت إلى شفيق، لأن المقاطعة أو إبطال الصوت يمكن ألا يؤثران أو يخدمان مرشحًا على حساب الآخر، أو لأن شفيق يمثل الدولة المدنيّة في حين يمثل مرسي الدولة الدينيّة، أو لأنه سيكون رئيسًا يمكن الكفاح ضده بسهولة أكثر بكثير من مرسي، ويمكن إسقاطه شعبيًّا، بحيث لا يكمل فترته الرئاسيّة وبما يسمح بتنظيم انتخابات رئاسيّة مبكرة.
وهناك فريق آخر، يقول بالتصويت لمرسي إذا وافق على برنامج وشروط تمنع هيمنة الإخوان، لأن الصراع ليس بين النظام الديني والنظام المدني، وإنما بين الثورة والثورة المضادة، والنظام القديم لا يزال قويًّا وراسخًا، وإذا نجح شفيق سيتمكن من الانقضاض على الثورة بسرعة، بينما الإخوان سيحتاجون إلى وقت حتى يرسخوا أقدامهم، خصوصًا بعد أن تحجموا في الانتخابات الأخيرة ولم يحصلوا سوى على 25% من الأصوات، بخسارة نصف الأصوات التي حصلوا عليها في انتخابات مجلس الشعب التي حصلت قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسيّة.
وجوابًا عن سؤال صبّاحي عن فلسطين وإسرائيل، قال إسرائيل عدو، ولن أكون رئيسًا لمصر يجعلها كما كانت كنزًا إستراتيجيًّا لها، مع أنني لن أدعو إلى الحرب ضدها، ولن ألغي اتفاقيات كامب ديفيد التي ستحكم عليها المؤسسات الممثلة للشعب المصري، ولكنني سألغي اتفاقية الغاز احترامًا للقضاء ولكرامة مصر، وسألغي روح كامب ديفيد وأحافظ على نصها، وسأدعم القضيّة الفلسطينيّة ومقاومة الاحتلال التي تقرها جميع الأديان والقانون الدولي، وسأرفض الحصار، وأنا كنت من المبادرين إلى زيارة غزة، ولن أكون رئيسًا ينحاز لفريق فلسطيني على فريق آخر، بالرغم من أنني ضد أوسلو، بل سأكون مع فلسطين والقضيّة الفلسطينيّة، فهي الوجع والحلم في نفس الوقت.
وأخيرا عن سؤالنا له عن صحة ما يشاع عن عروض قدمت له من المجلس العسكري وغيره بأن يتم دعمه إذا ليّن موقفه من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكيّة، قال أنه تلقى كل أنواع العروض والمغريات ولكنه يرفضها، كما رفض أن يكون نائبًا للرئيس أو رئيسًا للوزراء احترامًا لدم الشهداء وإرادة شعب مصر ومصلحته، مع تأكيده بأن المرشح المفضل للمجلس العسكري هو شفيق، وإذا تم استبعاده فلكل حادث حديث.
باللقاء مع صبّاحي تكون زياتي لمصر، وهي السادسة منذ اندلاع ثورة 25 يناير، قد اكتملت، وهي زيارة غنيّة جدًا، تخللها لقاء مع موسى أبو مرزوق بعد لقائه مع عزام الأحمد حول تشكيل حكومة الوفاق الوطني وزيارة ميدان التحرير الذي شهد مليونيّة الإصرار، ما زادني اقتناعًا بأن الميدان بناسه والروح التي أطلقها في السماء المصريّة ما دام حيًّا ستبقى الثورة المصريّة بخير، وستكون قادرة على تحقيق أهدافها التي لم تتحقق بعد بالرغم من مرور أكثر من 17 شهرًا على اندلاعها.